أكرموا القضاة... قبل أن تحاسبوهم!
محمد الساعد
أي جهاز قضائي في طول الدنيا وعرضها هو سقف بنائها الإداري ومهوى أفئدة الناس وعين عدالتهم التي يأوون إليها كل يوم من جور الدنيا وتسلط الناس، بل إن القضاة هم فخر تلك المجتمعات وأيقونتها التي تؤكد عظمة البلد وتقدمه أو تأخره. في الغرب على سبيل المثال تعتبر مباني المحاكم التي يعمل فيها القضاة أبرز معالم المدن ومن أجملها بناء، وما أن تدخل إحدى تلك المحاكم حتى تصاب بهيبة المكان المستمدة من هيبة القاضي وثقل وجوده في تلك المجتمعات.
انظروا فقط لبيئة العمل التي يعمل فيها قضاتنا، انظروا لجهاز الدعم والسكرتارية الذي يقدم لهم أعمال البحث والمتابعة والمعلومات، وأخيراً وليس آخراً انظروا لحجم القضايا التي ينظرون فيها بالنظر إلى عددهم القليل. بالتأكيد ليس المكان فقط هو ما يعطي المكانة الاجتماعية والهيبة للقضاة، بل هي التفاصيل الصغيرة، التي تصب في تلك الهيبة بدءاً من إعطاء القاضي ما يستحقه من التكريم والمكانة الاجتماعية وانتهاء بمكتبه وفرق العمل التي تعمل لخدمته، حتى يصبح في كامل قدرته للنطق بالحكم العادل الذي تنتظره منه الشعوب.
فكلما زاد تقدير القضاة وأعطوا كلما حفظت مكانتهم وحياتهم الكريمة ووضح امتنان الناس والمجتمعات لامتداد العدالة التي يغطون بها حياتهم. لكن سؤالنا هو: هل جهازنا القضائي بجسمه الصغير «نظراً للعدد القليل من القضاة وحمله الثقيل» يحمل في داخله مقومات الحياة الكريمة للقضاة؟ وهل يحمل أيضاً صيغة الهيبة والتقدير التي يجب أن يجدها القاضي أينما حلت رحال المتقاضين عنده؟
أقول ذلك لأن جهازنا القضائي لا يخلو من الانتقاد المتواصل من مجتمع النخب أو حتى من العامة حيثما حلت مجالسهم، وهو حق الناس، لكن في الوقت نفسه للقضاة حقوق يجب أن يأخذوها أولاً، كحق مكتسب، قبل أن نحاسبهم ونحاكمهم. فليس من المنطق ولا من المعقول أن يجد القاضي نفسه وسط زحام الحياة اليومية بحثاً عن مدرسة لابنه أو موعد في مستشفى حكومي أو قرض ليبني مسكنه. بل يجب أن يجد القاضي تأميناً صحياً يحميه وأسرته ويضمن له الحصول على الرعاية الطبية المثالية من دون أن يضطر إلى «النطنطة» من مستشفى إلى آخر بحثاً عن سرير لأحد أفراد أسرته. ولذلك أتمنى بل أطلب من وزير العدل أن يبدأ في إعداد نظام رعاية متكامل للقضاة، يضمن لهم السكن بتوفير سكن لائق بهم أو على الأقل بإعطائهم بدل سكن لا يقل عن متوسط إيجار سكن محترم.
يضاف إلى ذلك السيارة التي تناسب الوظيفة المضنية التي يشغلونها، وكذلك الرعاية الطبية الممتازة من خلال تأمين صحي عالي الجودة، أرجوك أيها الوزير أن تتبنى النظام الذي يكرمهم قبل أن يحاسبهم، فليس من المعقول أن تبقى رواتب القضاة على ما هي عليه، بل يجب أن يكون كادرهم الوظيفي مختلفاً وقادراً على أن يضمن لهم حياة لا انشغال فيها ولا تحوجهم لأحد. ففي نظري، إنهم أهم من أعضاء مجلس الشورى الذين يحظون بامتيازات خاصة منها السكن والسيارة، وعلينا أن نفهم جميعاً أن القضاة هم خلاصة المجتمع، ورمز العدالة، فإذا لم نعدل معهم فكيف نطلب منهم أن يعدلوا معنا.