(2) نظام الملكية :
ظهرت أهمية الأرض بعد اكتشاف الزراعة والاعتماد عليها كمصدر للعيش ، وبعد
انتظام المجتمع فى قبائل حلت ملكية القبيلة محل الملكية الجماعية ، واعتبر
رئيس القبيلة هو المالك لأرضها، يقوم بتوزيعها على الأسر فى قبيلته فقط
للانتفاع بها، مع بقاء ملكية الرقبة لشيخ القبيلة.
وبعد سيادة نظام الأسرة الأبوية وحلولها محل القبيلة، حلت ملكية الأسرة
محل ملكية القبيلة متمثلة فى ملكية رب الأسرة باعتباره مسئولاً عنها، وتحول
ملكية الأسرة إلى ملكية خاصة به.
كما وجد نوع آخر من الملكية هي ملكية الأرض الموات فالأرض التى لم تستغل
ولم توزع على الأسر، تظل ملكاً للجماعة كلها، أما إذا قام أحد بتعميرها
فإنه يتملكها ملكية خاصة، وبازدياد تطور المجتمع تلاشت ملكية الأسرة وظهرت
الملكية الفردية.
(3) نظام العقوبات: ويشمل:-
( أ ) الجرائم العامة والجرائم الخاصة : مع تطور المجتمع أصبح رؤساء
القبائل المختصين بتوقيع العقاب فى معظم الجرائم بدلاً من المجني عليه فقد
انتهى عهد الانتقام الفردي، واتسع نطاق الجرائم العامة أي الأفعال التى
تعتبر ماسة بكيان المجتمع واختصت السلطة العامة بالعقاب عليها ولا يجوز
فيها الصلح ولا الإبراء ومن أمثلة الجرائم العامة – الزنا بالمحارم
والخيانة العظمي ، الهروب من القتال ، كما ازدادت أيضاً نسبة الجرائم
الخاصة أي التى تمس مصالح الأفراد، و يجوز فيها الصلح والإبراء من جانب
المجني عليه ومن أمثلتها: القتل والجرح والسرقة والاتهام الكاذب.
(ب) اختلاف العقوبة باختلاف مركز الجاني والمجني عليه: حيث استقرت واتضحت
معالم العقوبة بالنسبة لكل فعل بحيث لا يجوز العدول عنها إلى الانتقام
الفردي واتسمت هذه العقوبة بسمات عامة من أهمها:
* أنها لا تقيم وزناً للتفرقة بين الفعل العمد والفعل الخطأ.
* أنها اختلفت باختلاف مركز كل من الجاني والمجني عليه، فالعقوبة التى توقع
ضد من يعتدي على حر أشد من تلك التى توقع ضد من يعتدي على رقيق، والتعويض
الذي يدفع عن قتل رجل حر أكثر من ذلك الذي يدفع عن قتل امرأة أو طفل أو
رقيق، كذلك سرقة الأموال ، كانت عقوبتها مثليين أو ثلاثة أمثال قيمة الشيء
المسروق ، غير أنها كانت تزيد عن ذلك إذا كان المال المسروق ملكاً لأحد
المعابد أو شيخ القبيلة او أحد الأشراف وتنقص إن كان المال ملكاً لأحد
أفراد الطبقة الدنيا.
فوق ذلك فإن العقوبة المالية أصبحت تتضمن معنى العقوبة والضمان فى نفس
الوقت، فهي ضمان لأنها تجبر الضرر ولكنها عقوبة لأن مقدارها يزيد عما حل
بالمجني عليه من ضرر.
(جـ) المسئولية الجماعية: فى ظل انتشار مبدأ التضامن بين أعضاء الأسرة
الواحدة كانت المسئولية جماعية، ومقتضى ذلك أن يقع على أقارب الجاني عبء
المساهمة معه فى مقدار الغرامة المالية التى يدفعها ، كما تتحمل أسرته
نصيباً كبيراً من مقدار الغرامة المفروضة عليه فى حالة هروبه، ومن جانب آخر
لأقارب المجني عليه مشاركته فيما يحصل عليه من تعويض.
( د ) تنفيذ العقوبة : لا يتم تنفيذ العقوبة إلا بعد صدور حكم قضائي، وكانت
تتولى تنفيذها السلطة العامة فى بعض الحالات كالتنفيذ على أموال الفرد
وفاءاً لغرامة ويترك للمجني عليه وأقاربه فى حالات أخرى كما فى القصاص.
(4) نظام التقاضي:
كان رجال الدين هم القضاة المختصون لإلمامهم بالتقاليد واجبة التطبيق،
كما كانوا يتولون تنفيذ ما يصدرونه من أحكام، ولم تكن هناك قواعد فنية أو
إجراءات للمحاكمة.
فكان التنظيم القضائي اقرب الي التحكيم منه الي القضاء بالمعني الفني
الدقيق و قد تباين نظام التقاضي تبعاً لطبيعة النزاع فإذا كان النزاع بين
أفراد ينتمون لأسرة واحدة، ففي هذه الحالة كان رب الأسرة يتولى بمعونة شيوخ
الأسرة حسم النزاع. أما إذا كان النزاع بين عدة أسر من عشيرة واحدة فإن
رئيس العشيرة كان هو الذي يتولى حسمه, وبعد ظهور الدولة، كان الملك هو الذي
يقوم بنفسه بالفصل فى القضايا الهامة والخطيرة، ويفوض بعض القضاة للفصل
فيما دون ذلك من المنازعات وذلك طبقاً للتقاليد والقواعد القانونية
المتعارف عليها.
ولم يكن الأفراد يتولون بأنفسهم رفع شكاياتهم إلى القضاء فلم يكن للفرد
كيان ذاتي داخل أسرته ، إنما كان رب الأسرة أو رئيس العشيرة هو الذي يمثل
أسرته أو عشيرته أمام القضاء، وكانت اجراءات التقاضي تتم شفاهة ومن ثم كانت
شهادة الشهود الدليل الرئيسي بين أدلة الإثبات، كما كانوا يلجئون أيضا إلى
المحنة واليمين.
ثالثا : مرحلة عصر التقاليد ا لعرفية:
أي العصر الذي صار فيه العرف المكانة الأولى بين مصادر القانون
ويشمل الحديث عن هذا العصر النقاط الآتية:
أولا - أسباب ظهور العرف كمصدر للقانون : يتلخص سبب ظهور العرف كمصدر
للقانون فى انفصال السلطة الزمنية عن السلطة الدينية نتيجة التطور الذي
حققه المجتمع بكافة صوره وارتفاع مستوى الوعي والثقافة بين الأفراد أمام
تعسف السلطة الدينية واستئثارها بجميع السلطات ورغبة المدنيين فى تغيير هذه
الأوضاع لصالحهم فى الغرب والشرق ، فترتب عن ذلك التحول من التقاليد
الدينية إلى التقاليد العرفية كمصدر أساسي للقاعدة القانونية.
ثانيا - نتائج ظهور التقاليد العرفية كمصدر للقانون : تترتب على ظهور العرف كمصدر للقانون عدة نتائج أهمها:
(1) تعدد مصادر القاعدة القانونية: فلم تعد الديانة المصدر الوحيد للقانون، ولكن ظهر العرف ومصادر أخرى كالفقه والتشريع.
(2) القانون تعبير من إرادة الشعب : أدى اعتبار العرف مصدر للقانون أن أصبح
القانون يعبر عن إرادة الشعب ويعكس ظروف المجتمع ويتطور مع تطوره بشكل مرن
وتلقائي.
(3) قابلية القانون للتعديل: ترتب على اعتبار القانون تعبيراً عن إرادة الشعب أن أصبح قابلاً للتعديل كلما تغيرت ظروف المجتمع.
(4) علانية القواعد القانونية : إذ أصبحت القواعد القانونية معلنة وواضحة
بعد أن كانت محفوظة فى صدور رجال الدين لا يطلع عليها غيرهم.
(5) الجزاء : ترتب على انفصال القانون عن الدين واعتبار العرف مصدراً
للقانون أن تميز الجزاء الديني عن المدني ، والقضاء الديني عن المدني.
(6) المساواة بين الناس : أدى التطور الذي لحق المجتمع إلى إزالة الفوارق بين الطبقات (أشراف وعامة ورجال دين).
(7) سلطة الحاكم : ترتب على ظهور العرف كمصدر للقانون أن ظهر مبدأ "الديمقراطية" فى الحكم ، وأصبحت السيادة للشعوب.
ثالثاً : النظم القانونية التى سادت فى مرحلة التقاليد العرفية ، وهي :-
(1) نظام الأسرة - ويشمل :
( أ ) تدعيم الأسرة الأبوية: ظل نظام الأسرة الأبوية هو السائد، وتدعمت
سلطة رب الأسرة فأصبحت مطلقة تمتد إلى أرواح وأموال الخاضعين لسلطته، ثم
خفت حدة هذه السلطة مع تطور المجتمع إذ أصبحت سلطة رعاية وحماية وتأديب
واعترف للأبناء بذمة مالية مستقلة.
(ب) الزواج ، ويشمل :-
صور الزواج : ظل زواج التراضي هو الأصل واعتد برضاء الزوجين بجانب رضاء أوليائهما ثم أصبح رضاء الزوجين وحدهما كافياً.
نظام تعدد الزوجات : استمر نظام تعدد الزوجات ولكنه شهد تناقصاً كبيراً أمام الزواج الفردي.
نظام التسري : وهو امتلاك الرجل لعدد من النساء - بدون حد أقصى- بالإضافة
لزوجته يعاشرهن معاشرة الزوجة الشرعية، فإن أنجبن منه ، ينسب الأولاد إلى
أمهاتهم ما لم يدخلهم رب الأسرة فى أسرته إما بالاعتراف بهم أو تبنيهم.
(جـ) الإرث : حدث تطور هام فى الإرث خلال هذا العصر ومن مظاهر هذا التطور:
اشتراك البنات مع الأبناء فى التركة، حيث إذا لم يترك المتوفى أولاداً
ذكوراً تؤول التركة إلى بناته غير المتزوجات.
* إذا لم يترك المتوفي أولاداً ذكوراً أو إناثاً آلت التركة إلى أقرب العصبات.
* وبصفة عامة، فقد ميزت الشرائع الشرقية الذكر على الأنثى فى الميراث ، أما الشرائع الغربية فقد قررت مبدأ المساواة بينهما.
* الوصيـــة : اختلفت الشرائع فيما طبقته من قواعد بشأنها، فكانت تتم شفاهة
فى بعض الشرائع وكتابة فى بعضها الآخر. وبعض الشرائع أطلقت إرادة الموصي
فى وصيته على حين قيدتها شرائع أخرى.
(د) نظام المعاملات - ويشمل : - الملكية : قد تعددت صور الملكية ، فوجدت
ملكية القبيلة أو القرية، وملكية الأسرة متمثلة فى ملكية رب الأسرة، ثم
انتشرت الملكية الفردية إلى ازدادت مع تقدم المجتمع على حساب ملكية القبيلة
والأسرة.
* العقـــود : ترتب على ا لتطور الاقتصادي والاجتماعي واستعمال النقود
المعدنية ، أن ظهرت بعض العقود الجديدة وتغيرت معالم بعض العقود القديمة
كعقد المقايضة الذي تحول إلى بيع، وظهر نظام العربون كوسيلة لتأكيد الصفقة
أو بديل عن العدول عنها.
* كما ظهرت عقود جديدة فى مجال التعامل كعقد الإيجار ، عقد القرض ، وعقود العارية والوديعة.
- كذلك ظهرت بعض القواعد التى تكفل علانية التصرفات القانونية ومن أهمها
اشتراط وجود شهود عند إبرامها، ومن ناحية أخرى، بدأ الاتجاه نحو تحرير
العقود وتوثيقها بعد انتشار الكتابة.
- وباستمرار تطور المجتمع خفت حدة المبدأ الذي يقضي بأن "جسم المدين ضامن
للوفاء بما عليه من ديون" والذي كان بمقتضاه يسلم المدين نفسه أو أحد أقران
أسرته للدائن إذا عجز عن الوفاء له بديونه، وللدائن الحق فى أن يتصرف فيه
بالبيع أو الاسترقاق أو غيرهما، ثم ألغى هذا المبدأ وأصبح التنفيذ على
أموال المدين بدلاً من جسده.
(هـ) نظام العقوبات : - ظلت السمات التى اتسم بها نظام العقوبات فى العصر
السابق خلال هذا العصر. إلا أنه قد ظهرت عدة اتجاهات ساهمت فى تحقيق قدر
كبير من التطور ومظاهر ذلك:-
- بالنسبة للجريمة : أصبح ينظر لها باعتبارها فعلا ًيمس بكيان المجتمع كله
ويهدد أمنه، الأمر الذي أدى إلى مد صفة الجريمة العامة إلى كثير من الأفعال
الجنائية التى كانت تعتبر من الجرائم الخاصة، كبعض جرائم النفس مثل القتل،
وجرائم المال كالسرقة.
- بالنسبة للعقوبات : أصبحت وسيلة لردع الجاني وإصلاحه.
• الاعتداد بقصد الجاني بحيث تختلف العقوبة تبعاً لذلك ، فعقوبة الجريمة العمدية أشد منها فى حالات الخطأ والإهمال
• مراعاة الظروف التي احاطت بأرتكاب الجريمة ,في تشديد العقوبة او تخفيفها
وفى ظل ذلك اعتبرت حالات الدفاع الشرعي سبباً مخففاً للعقوبة.
• كما ظهرت أحكام خاصة برجال الدين، لما يتمتعون به من مكانة فمنحوا بعض
الامتيازات كعدم تطبيق عقوبة الإعدام عليهم ومحاكمتهم أمام محاكم خاصة.
( و ) نظام التقاضي : مع ازدياد سلطة الدولة لحق نظام التقاضي تطوراً كبيراً وظهر ذلك من خلال :
- نظمت درجات التقاضي فلم يعد الملك يختص إلا بالقضايا الهامة أو القضايا المستأنفة.
- وجد قضاء مختلط يتولاه رجال الدين والمدنيون، ثم انفصل القضاء المدني عن
الدين، فأصبح القضاة فى المحاكم المدنية موظفين يعينهم الملك، واقتصر
اختصاص القضاء الديني على الأمور الماسة بالديانة أو التى ترتبط بها
كالزواج والحنث فى اليمين.
- كما ظهرت قواعد فنيه تبين إجراءات المحاكمة وكيفية رفع الدعوى ونظرها.
- وقد تصدت الدولة لتنفيذ الأحكام القضائية، وغالباً ما كانت تعهد بتنفيذها للقضاة الذين أصدروها أو معاونيهم.