حق الأبناء في ميراث الآباء ما بين النص القرآني و قانون الوصية الواجبة
مقدمة:
كان ولا زال موضوع حق الأبناء الذين يتوفى والدهم قبل أبيهم ( جدهم ) في ميراث هؤلاء الآباء موضع خلاف و جدل بين المسلمين ، فمنهم من لا يرى أحقية لهم في ذلك ، نظرا لعدم استدلالهم على ما يوضح ذلك من خلال تأويلهم لآي الذكر الحكيم، و منهم من يرى أحقيتهم مستندين في ذلك إلى قول الحق تبارك وتعالى:
" كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ " ( البقرة/180)
و هي الآية التي توضح العموم من الوصية لا الخصوص، أي توضح جواز التوصية للأقارب ممن يكون هناك مانعا يحجب عنهم حظهم في الإرث و ذلك على وجه العموم، و هو ما قال به أبن حزم الظاهري الأندلسي ( 384-456 ه/ 994-1064م) و غيره من الفقهاء.
و منه، وفي سنة 1946م تحديدا شُرع في دولة مصر ( جمهورية مصر العربية ) قانون الوصية الواجبة، و الذي يعطي هؤلاء الأبناء الحق بأخذ حظ والدهم المتوفى قبل والده ( جدهم ) بحكم القانون، و من ثم أخذت العديد من الدول الإسلامية بسن القوانين المماثلة[ دولة الكويت 1971م] و إن اختلفت صوره من دولة لأخرى، فمن تلك الدول من يقصر الأمر على أولاد الولد فقط و إن نزلوا و منهم من يقره بجانب ذلك لأولاد البنت قصرا، و منهم من يحدد مقداره بالثلث فقط، و منهم من يجعل مقداره هو مقدار حظ والد الأبناء في ميراث والده ( جدهم).
إذن هناك اختلاف ما بين الدول الإسلامية في مسألة إعطاء الأبناء ممن توفي والدهم قبل أبيهم نصيب من الميراث، فمنها من لا يعطي، و منها من يعطي بحكم القانون، و حتى من يعطي منهم اختلفوا فيما بينهم كما أوضحنا أعلاه، فأصبح ما هو حق لك في دولة ما ليس بحق لك في دولة أخرى، أي أصبح هذا الحق خاضعا للانتماء.
هذه الاختلافات توضح لنا مقدار التناقض في واحدة من أهم المسائل في الفقه الإسلامي ، و التي لا تتعدى كونها جزئية من موضوع مهم و حساس للعباد ألا و هو الإرث، ذلك الموضوع الذي يختص بحقوق البشر فيما بينهم ، و جل هؤلاء البشر هم من الأيتام الذين لا حول لهم و لا قوة.
و قد أوضح الحكيم الخبير لنا تلك الأهمية فجعل من إتباع حدوده في الإرث و عدم تعديها جزء من طاعته و طاعة رسوله ( صلى الله عليه و سلم) فأجزل الثواب لمن يتمسك بها، فقال عز من قائل:
" تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ "
و توعد من يتعداها بالخلود في النار و بالعذاب المهين كما جاء في الآية الرابعة عشر من سورة النساء، فقال جل من قائل:
" وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ "
و ذلك من بعد ما بين تلك الحدود في الآية الحادية عشر و الثانية عشر من ذات السورة، و أشار إليها صراحة في الآية التالية ( الآية الثالثة عشر ) باسم الإشارة [ تلك ]، فقال عز من قائل:
" تلك حدود الله......."
و هي الإشارة الواضحة البينة، من حيث إن [ تلك ] من أسماء الإشارة التي لا تستخدم في اللغة العربية إلا للواضح البين من الأمر، فلا يقال [ تلك ] لما هو مستور.
من ذلك، إي من هذه الإشارة الواضحة لحدوده جل و علا و من تناقض الأقوال ما بين القول بعدم أحقية الأبناء في ميراث الآباء و القول بالأحقية نستطيع القول من أن هناك إشكالية في موضوع الإرث على وجه العموم و اختلاف كبير ما بين الفقهاء حول تلك الجزئية منه على وجه الخصوص، و هو ما انعكس كاختلاف مابين الدول الإسلامية.
و هنا يحق لنا أن نتساءل أين الحقيقة من ذلك ؟ أم أن هذا الاختلاف هو دليل صحة و باب من أبواب التيسير على المسلمين؟ و أين ذلك من قول الحق تبارك و تعالى:
" وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ " ( الأنعام/38)
وهي آية واضحة تدل على الكمال و التمام لهذا الكتاب، فلا مكان لزيادة و لا مكان لنقصان، و عليه،فإن كان لهؤلاء الأبناء من حق في تركة أبيهم ( جدهم) و هو ما يتماشى مع الفطرة السوية التي فطرنا الله عليها فلابد من وجود ما يشير إلى ذلك الحق في تلك الآيات الكريمة( آيات الإرث)، من هنا كان الدافع لهذا البحث، و الذي توصلت فيه بمنة من الله جل جلاله و بتوفيقه و مشيئته إلى ما يشير لحق الأبناء في تركة أبيهم ( جدهم ) و ذلك من خلال النص القرآني ، و عليه فلا مكان للقول بذلك الحق من خلال قوانين البشر و لا مكان لما يترتب على تلك القوانين من تجاوزات لحدود الله.
و ما ذلك إلا اجتهاد من نفسي، إن أصبت فيه فذلك بتوفيق و منة من الله جل و علا و إن لم يكن فإني أسأل الله العفو و المغفرة.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين.