تنازع الاختصاص في القانون الدولي الخاص
المحامي سفيان عباس
القانون الدولي الخاص مجموعة قواعد قانونية تنظم العلاقات ذات الطابع الدولي بين الأشخاص الأجانب على ارض الدولة وهي الجنسية والموطن والمركز القانوني وتنازع الاختصاص القضائي او القانوني وآثار الأحكام الأجنبية داخل أراضي إقليم الدولة، ويختلف القانون الدولي الخاص عن العام من حيث السريان والمصادر التشريعية والقضائية، فالقانون الدولي الخاص يسري على الأشخاص الأجانب بصفتهم الخاصة في حين إن القانون الدولي العام يحكم العلاقات بين الحكومات والمنظمات الدولية، ان القانون الدولي الخاص حديث النشأة شهد تطورا ملموسا خلال القرون الأخيرة نتيجة النمو الهائل في العلاقات الدولية على المستويات كافة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياحية ، ومن أهم مصادره الرئيسية التشريع الوطني والعرف والمعاهدات وان آلية تطبيقاته العملية تستند إلى ثلاثة مواضيع حيوية الأولى ولاية الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية والثانية تحديد القانون الواجب التطبيق على المنازعات ذات العنصر الأجنبي والثالثة طبيعة آثار الأحكام الأجنبية والإجراءات الواجبة في قبولها. إن قضية تنازع الاختصاص ألولائي للقوانين الوطنية ما زالت تشغل بال العديد من فقهاء القانون الدولي الخاص كونها ترتبط في قواعد الإسناد لقانون موطن الخصوم وأركان الدولة السيادية مما يشكل عائقا أمام القاضي المختص في نظر المنازعات المدنية التي يكون فيها طرف أجنبي إضافة الى احتمالية عدم اطلاع القاضي المختص على حيثيات القانون الأجنبي الواجب التطبيق. ولكن للمعاهدات الدولية أثرا بارزا في التقليل من شان تلك المخاوف حيث أن معظم الدول الموقعة على تلك الاتفاقيات قد حسمت أمر تنازع القوانين الخاصة بالأجانب مثل اتفاقية جنيف حول الكمبيالة والشيك والسند الاذني واتفاقية بروكسل بخصوص الملاحة البحرية واتفاقية وارسو الخاصة في الملاحة الجوية ، وكانت اتفاقية بروكسل لعام 1968 من أبرزها فقد حددت قواعد الاختصاص القضائي للمحاكم وشروط تنفيذ الأحكام في الدول الأوربية. إن مسألة الولاية في نظر أي نزاع دولي خاص بالجنسية والموطن تعد من النظام العام للمحاكم الوطنية ويستطيع القاضي رفض القبول من عدمه إذا وجد أن قضاءه غير مختص في فض هذه المنازعة التي احد أطرافها أجنبي خلافا للقواعد الإجرائية في القوانين الوطنية من حيث الدفع بالاختصاص الوظيفي والولائي لمحكمة الموضوع الذي يقع من احد خصوم الدعوى المدنية ، مثلا عراقي متزوج من كندية يسكن الجزائر أقام دعوى الطلاق أمام المحاكم الشرعية الجزائرية فأي قانون واجب التطبيق؟ هنا بطبيعة الحال قانون الزوج هو الذي يطبق ولكن على القاضي التحقق من ديانة العراقي عما أذا كان مسلما آو مسيحيا، إن حالة كهذه ربما تحدث إشكالية للقاضي الجزائري في حال كون الزوج مسيحيا لان قضية الطلاق على وفق الديانة المسيحية معقدة بعض الشيء، فالقضاء الانكليزي يأخذ بمبدأ الإسناد إذا ثبت أن الزوج متوطنا في بلد يبيح بموجبه قانونه وقوع الطلاق فأن المحاكم الانكليزية تقضي بالطلاق برغم القواعد الفقيه والشرعية في الدين المسيحي. ومثل آخر أمريكي تعاقد مع سوري في الأردن لتوريد بضاعة ما بموجب عقد تجاري تم توقيعه في عمان وحصل نزاع بين الطرفين فأي قانون يمكن تطبيقه على هذا النزاع، ففي هذه الحالة يكون القضاء الوطني صاحب الاختصاص إذا لم ينص العقد خلافا لذالك استنادا الى القانون الدولي العام العرفي. ففي هذه الحالة لا تستطيع المحاكم الوطنية رفض القبول للنظر في القضية لأنها بمثابة الامتناع عن تحقيق العدالة دون حساب لقانون الموطن وليس بالضرورة إن يطبق قانون الدولة المعنية وقد تلجأ في اغلب الأحيان الى تطبيق مبدأ الإسناد. إن القانون الدولي الخاص يحتاج الى مزيد من التعديلات الجوهرية والموضوعية بغية تطوير أفقه المستقبلي وذلك لأهميته في العلاقات الدولية وان التطور المدني للإنسانية وجعل العالم عبارة عن قرية صغيرة يتطلب من خبراء القانون الدولي الخاص طرح النظريات القانونية لتسهيل مهمة الأجانب المتوطنين في بلدان أخرى.